- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حياكم الله مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج : " ربيع القلوب " عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، لكم التحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، الهندسة الإذاعية خالد ماهر ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
مستمعينا الكرام في قوله تعالى في سورة الأنفال :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
الإيمان يزيد بالطاعة ، وينقص ويضمر بالمعصية ، يقوى بأعمال الخير ويضعف بأعمال الشر ، وأمر المؤمن كله بيد الله تعالى ، يصدر عن توجيهه وينتهي بنهيه ، وفي الآية التي معنا في سورة الأنفال يقول سبحانه وتعالى المؤمن الحق هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه ، وازداد خوفه ، وانقاد إلى أمره ، وخضع لذكره خوفاً منه ، وفراً من عقابه ، وإذا قرأت عليه آيات كتابه صدق بها ، وأيقن أنها من عند الله ، فازداد بذلك تصديقاً ، وذلك هو الزيادة في الإيمان .واليوم في هذه الحلقة مستمعينا الكرام من برنامج ربيع القلوب نتناول آية من آيات سورة الأنفال قوله تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
نرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الداعية الإسلامية الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله شيخنا ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد .الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
وأقول قبل أن نبدأ : اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك المؤمنين .
المذيع :
شيخنا ؛ في قوله تعالى في سورة الأنفال :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
لو بدأنا مع معنى كلمة وجلت ودلالتها في هذه الآية ، لننطلق في ربيع الآية .تلاوة كتاب الله حق تلاوته ثم تدبره وفهم معانيه :
الدكتور محمد راتب :
قبل هذه الكلمة :
﴿ إِنَّمَا ﴾
إذا قلت : شوقي شاعر أو الشاعر شوقي ، شوقي شاعر ، هل يمنع أن يكون تاجراً؟ لا يمنع ، محدثاً ؟ لا يمنع ، كاتباً ؟ لا يمنع ، أما إذا قلت : إنما شوقي شَاعر ، شاعر فقط ، إنما أداة قصر وحصر .﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾
هذه صفاتهم الحتمية ، فإنما أداة قصر وحصر ، وليست لغيرهم ، أبداً .﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
الوجل ؛ الاضطراب ، أي إذا واحد بحاجة ماسة إلى دواء ، ثم وجده في بلد غربي لا ينام الليل فرحاً ، اضطرب قلبه .الاضطراب دليل الانفعال ، والإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك .
بالمناسبة ؛ غذاء القلب العلم ، وغذاء القلب الحب ، الذي يسمو به طبعاً ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإذا غذيت عقلك بالعلم ، وقلبك بالحب ، وجسمك بالطعام والشراب من مال حلال تفوقت ، فإذا اكتفيت بواحدة تطرفت ، وفرق كبير بين التفوق والتطرف ، هنا يصف الله المؤمنين لماذا ؟ أنا فيما أعتقد أكثر من مئتي آية تصف المؤمنين ، لماذا ؟ من أجل أن تجعل هذه الآيات مقياساً لك ، كلما قرأت آية تصف المؤمنين ، أين أنت منها ؟ هل أنت مطبق لها ؟ لذلك ورد أن المؤمن الصادق يتلو كتاب الله حق تلاوته :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
كما قال الله عز وجل ، ما حق التلاوة ؟ أن تقرأه قراءة صحيحة ، لو قلت مثلاً في الصلاة : إنما يَخشى اللهُ من عباده العلماء ، الصلاة باطلة ، الصواب :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ﴾
مفعول به مقدم .﴿ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
المعنى فسد ، فلابد من أن تقرأ القرآن قراءة صحيحة وفق قواعد اللغة ، لذلك قال سيدنا عمر : تعلموا العربية فإنها من الدين .وفوق ذلك أن تقرأه إن أمكن قراءة مجودة ، يوجد إقلاب ، وإظهار ، وإدغام ، ومد كبير ، ومد صغير إلخ .. ثم أن تفهم معانيه ، ما قيمة هذا القرآن إن لم تفهم معانيه ؟ منهج تفصيلي للإنسان ، يوجد حلال ، وحرام ، وأهداف كبيرة ، وما بعد الموت .
الشيء الآخر : وأن تتدبره ، هذه أهم واحدة ، والدليل :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
آيات الله دلائل صادقة على وجوده ووحدانيته :
لكن :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
ماذا تعني الآيات ؟ تعني الدلائل الصادقة على وجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، الآيات أنواع ثلاث ، آيات كونية خلقه ، آيات تكوينية أفعاله ، آيات قرآنية كلامه .مثلاً ومضة واحدة ، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما 156 مليون كيلو متر ، الله قال :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
آية قرآنية ، الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، وفي هذا البرج نجوم كثيرة جداً ، هناك نجم صغير أحمر متألق اسمه قلب العقرب ، هذا النجم الصغير الأحمر المتألق يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
***
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
ضع تحت عظيم خمسة خطوط ، إبليس آمن ؟ لم يؤمن ، الدليل :﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
آمن ، لكن ما آمن بالله العظيم ، والبطولة أن تؤمن بالله العظيم ، لذلك إن آمنت بالله العظيم لا يمكن أن تعصيه .من أيقن أن علم الله يطوله وقدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :
مثل من حياتنا : راكب سيارتك والإشارة حمراء ، والشرطي واقف ، فإذا تجاوزت الإشارة عندك عقاب كبير ، قد تسحب منك الإجازة ، وقد تمنع من القيادة سنة بأكملها ، أو تدفع مبلغاً كبيراً ، أنت لماذا وقفت عند الإشارة الحمراء ؟ لأنك تعلم يقيناً أن واضع قانون السير، وهو وزير الداخلية علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، من خلال هذا الشرطي ، والآن يوجد كاميرا نفس الشيء .
أنت إذا أيقنت أن القوي علمه يطولك ، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، الدليل :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، وكل إنسان يرى أن الله عز وجل علمه يطوله وقدرته تطوله مستحيل أن يعصيه ، فكل معصية بسبب نقص في علم الله ، في علم الله أنه يعلم ، ماذا تقول الآية ؟﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾
المؤمن يعلم أن الله يعلم ، أما غير المؤمن فضعيف الإيمان بأن الله يعلم .المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الآيات التي أشير إليها في هذه الآية :
﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
هي الآيات القرآنية .الدكتور محمد راتب :
الآية المطلقة .
المذيع :
كونية ، تكوينية ، وقرآنية .
آيات الله كونية وتكوينية وقرآنية :
الدكتور محمد راتب :
مادام تليت قرآنية ، لأن الكونية تفكر ، عندنا آيات تكوينية ، هذه نظر ، كيف ؟
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾
امشِ .﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾
فانظروا ، الفاء للترتيب على التعقيب ، وفي آية ثانية :﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ ﴾
الأولى فاء ، الثانية ثم ، الفاء للترتيب على التعقيب ، ثم للترتيب على التراخي .أنا أذكر تماماً لي قاض صديق حميم ، قال لي : عنده دعوى لبيت توفي صاحبه بأرقى أحياء دمشق ، فجاء من قدم عقد شراء لهذا البيت ، والعقد متقن جداً لدرجة قد تتوهم أنه صحيح ، فالقاضي لا يوجد عنده غير حل واحد أن يدعوه لحلف اليمين ، وضع هذا الحالف يده على المصحف ، أقسم بالله العظيم أنه له ، والعقد صحيح ، ورفع يده ، بقي رافعاً يده حتى لفت القاضي نظره ، قال له : أنزل يدك ، كان قد توفي ، توفي في لحظة الكذب ، طبعاً كان يمسك الطاولة باليد الثانية ، رفع يده كان قد توفي ، هذا الآية تقول له :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾
للترتيب على التعقيب .لي قريب يعمل بمكان معين بالشام ، جاؤوا بشخص قام بقتل إنسان ، وضع الحبل في رقبته ، فقال : أنا الآن سأشنق لأنني متهم في قتل إنسان أنا لم أقتله ، ولكني قتلت إنساناً قبل ثلاثين عاماً ، هنا :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
الأولى :﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾
للترتيب على التعقيب ، والثانية :﴿ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
للترتيب على التراخي ، هذه آياته التكوينية أفعاله ، آياته الكونية خلقه ، الموقف الكامل منها التفكر ، الآيات الثانية أفعاله التكوينية ، الموقف منها النظر ، هناك نظر آني ، ونظر لاحق ، والآيات الثالثة القرآنية كلامه ، الكونية تفكر ، التكوينية نظر ، والقرآنية تدبر .﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾
أي يا عبادي بيني وبينكم كلمتان ، منكم الصدق ، ومني العدل ، أي تتفاوتون عندي بصدقكم وأنا أعدل بينكم ، أو هذا القرآن بين دفتيه الآيات ، الخبر صادق ، الأمر عادل فقط ، صار عندنا آيات كونية تفكر ، تكوينية نظر ، قرآنية تدبر ، الآية تقول :﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
المذيع :سبحان الله ! فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي نعود إلى سؤالنا الأول معنى ودلالة كلمة :
﴿ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
الإيمان تصديق وإقبال والكفر تكذيب وإعراض :
الدكتور محمد راتب :
اضطربت ، هذا اضطراب حب ، إذا شخص فرضاً خطب فتاة ، وكان مسافراً ، فإذا رجع والتقى بها يضطرب قلبه محبة لها ، هذا المعنى الدقيق جداً ، اضطرب ، اضطراب أي تفاعل .
إذا شخص يمشي بالطريق رأى أولاداً ثلاث يدخنون ، دقق ، أحدهم ابنه ، فاضطرب ابنه يدخن ، والدخان فيه ثلاثة آلاف مادة سامة ، الثاني ابن أخيه ، انفعال الأب مع الثاني أقل من ابنه ، الثالث لا يعرفه ، لا يوجد انفعال إطلاقاً ، اضطرب مع ابنه المدخن ، أقل اضطراب مع ابن أخيه ، أما الثالث فما انتبه له .
فلذلك كلما كان هناك علاقة قرب أكثر كان الاضطراب أشد .
﴿ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾
عفواً الإيمان قناعة وإقبال ، لا يكفي قناعة ، إيمانٌ وإقبال ، تصديق وإقبال ، والكفر تصديقٌ وإعراض ، أي واحدة عملية عقلية ، تصديقٌ وإقبال ، والثانية تكذيبٌ وإعراض ، فكل إنسان إيمانه قوي معه إقبال لأنه مستقيم ، بيته إسلامي ، دخله إسلامي ، عمله إسلامي ، علاقاته كلها مشروعة ، مادام هو أيقن بعظمة الله وقدرته أقبل عليه ، تصديق وإقبال ، الآخر تكذيب ، عندما يكذب يرتاح ، كيف ؟لو فرضنا شابين أرادا شراء سيارتين ، الأول اشترى والثاني لم يشترِ ، سرت إشاعة كبيرة في البلد أن هناك قانوناً على وشك الصدور بتخفيض الجمارك خمسين بالمئة ، فالذي اشترى يكذب هذه الإشاعة ، إذا كذبها يرتاح لأنه اشترى وانتهى ، والذي لم يشتر يصدقها لأنه يرتاح إذا كان لم يشتر ، أحياناً يوجد تكذيب وتصديق بالعقل الباطن ليس له علاقة بالواقع إطلاقاً .
الدين كله صلة بالله عز وجل :
كل إنسان مؤمن يؤمن بوعود الله العظيمة ، هو ينتظرها ، والآخر يكذب بها ، فالتكذيب والتصديق له علاقة بالحالة النفسية ، هذا الإنسان الطارئ ، الحادث ، الضعيف ، المفتقر إلى طعام وشراب ، المفتقر إلى زواج وإنجاب ، المفتقر إلى علو ، هذا الإنسان نسمح له أن يتصل بالقوي ، يقوى به ، بالغني يغتني به ، بالعليم يعلم من خلاله ، فالدين كله صلة بالنهاية ، الفرائض الأخرى الفقير لا يوجد عليه زكاة ، والضعيف لا يوجد عليه حج ، أشياء كثيرة ، إلا الصلاة الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال ، أنت العبد الفقير تتصل بالغني، اغتنيت من خلاله ، أنت عبد جاهل اتصلت بالعليم ، علمك منه ، قوتك منه ، حكمتك منه ، راحتك منه ، رحمتك منه ، عبد لا شيء اتصل بالذات الكاملة ، أصل الكمال ، والجمال، والنوال ، اقتبس منه كل شيء ، يوجد فرق كبير بين مؤمن وغير مؤمن ، ليس الفرق بإعلان الشهادة ، هناك مئات الفروق ، بل آلاف الفروق ، والدليل :
﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
فرق كبير بمئات البنود ، بل آلاف البنود بين حياة مؤمن عرف الله ، عرف منهجه، أعطاه ، تقرب إليه ، أقبل عليه ، كسب الدنيا والآخرة .﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة .المذيع :
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾
هنا دلالة كلمة حقاً شيخنا .الحق الشيء الثابت والهادف والباطل الشيء العابث والزائل :
الدكتور محمد راتب :
كلمة حق كلمة متداولة كثيراً ، الشيء الثابت والهادف ، أنشأنا جامعة حق ، لتخريج زعماء للأمة ، قادة للأمة ، أنشأنا سيرك ، عابث وزائل ، أسبوعان فقط ، ألعاب بهلوانية، فيل وعدة وحوش ، فالحق الشيء الثابت والهادف ، والباطل الشيء العابث والزائل ، فالحق هو الله ، والحق أهدافه كبيرة جداً ، أهدافه راقية جداً ، ووسائله مشروعة ، والباطل العابث والزائل .
المذيع :
هنا كلمة حق بعد :
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
دلالاتها شيخنا ، يوجد غير مؤمنين بغير حق ؟تفوق المؤمن بآلاف البنود :
الدكتور محمد راتب :
المؤمن يصلي ، لكن ليس صادقاً بعمله ، يغش ببيعه وشرائه ، فصلاته لا تشفع له، عندنا عبادات شكلية ظاهرية ، وزكى ، وتصدق ، أما المؤمن فعنده ألوف البنود يتفوق بها، كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، اختيار من حوله ، أصدقاؤه ، تجارته ، كسب ماله ، يوجد بنود كثيرة جداً يتفوق بها .
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في قوله تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
شرحتم فضيلة الدكتور معنى وجلت ، ما الغاية من الخوف أو اضطراب القلوب من الله سبحانه وتعالى ؟اضطراب القلوب من الله سبحانه وتعالى محبة له :
الدكتور محمد راتب :
الآن اضطراب إيجابي سيدي ، إذا شخص خطب فتاة وسافر حوالي شهرين أو ثلاثة ، رجع ولله المثل الأعلى ، عندما التقى بها اضطرب قلبه محبة لها ، هذا الحب ، هنا :
﴿ وَجِلَتْ ﴾
اضطراب الحب ، ولله المثل الأعلى دائماً .المذيع :
في قوله تعالى في آية ثانية :
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
كيف ممكن أن نوفق فضيلة الدكتور بين وجلت قلوبهم وبين تطمئن قلوبهم ؟الدكتور محمد راتب :
هنا اضطراب حب ، وليس اضطراب خوف ، اضطراب حب ، أنت محبوبك التقيت معه أو مثلاً لك قريب صار منصبه رفيعاً جداً ، فلما زرته بمكتبه اضطربت فرحاً ، فرحت به ، وفرحت بمنصبه العالي ، وفرحت لعله يحل مشكلتك ، فالاضطراب اضطراب إيجابي وليس سلبياً ، أي خفق قلبه محبة .
المذيع :
في قوله تعالى :
﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾
زيادة الإيمان بتدبر الآيات :
الدكتور محمد راتب :
الإيمان يزيد وينقص .
المذيع :
لكن سؤالي فضيلة الدكتور : هل المقصود أنه يزيد بالتلاوة فقط أم بتدبر الآيات ؟
الدكتور محمد راتب :
لا بالتدبر ، أعوذ بالله !
المذيع :
كيف يكون هذا التدبر ؟ وكيف يكون الإيمان ؟
الدكتور محمد راتب :
التدبر ، أولاً أن تقرأ الآية قراءة صحيحة ، هناك أخطاء تلغي القراءة ، بل تلغي الصلاة كما قلت قبل قليل ، أول شيء قراءة صحيحة ، والأكمل أن تقرأها مجودة ، اثنان وثلاثة أن تطبق ما فيها ، والرابعة : أن تتدبرها ، أي أين أنت منها ؟ هل أنت في مستوى هذه الآية ؟ يوجد في القرآن حوالي مئتين وخمسين آية تقول : يا أيها الذين آمنوا ، هل أنت من هؤلاء ؟ هل طبقت هذه الآيات ؟ هل شعرت أنها لك ؟ أنها خطاب لك ؟ أنها طلب من الله لك أن تفعل كذا وكذا ؟ هذا تدبر سيدي ، قراءة صحيحة ، قراءة مجودة ، فهم المعنى ، أين أنت من هذا المعنى هو تدبر .
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
المذيع :فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ربما نختم بهذا السؤال هذه الحلقة في قوله تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
هنا كلها أعمال قلوب ، وجل القلب ، ازدياد الإيمان ، التوكل على الله ، بعدها أتت :﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾
أعمال جوارح .﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
عمل جوارح ، تقديم أعمال القلب على أعمال الجوارح في هذه الآيات ما الفائدة منه؟أعمال القلوب هي الأصل :
الدكتور محمد راتب :
لأنه أصل في أعمال الجوارح ، تنطلق من إيمانك فتصلي ، تنطلق من إيمانك فتغض البصر ، تنطلق من إيمانك فتتحرى الحلال في كسب مالك ، تنطلق من إيمانك في معاملة الزوجة معاملة طيبة ، من تربية أولادك تربية إسلامية ، من إتقان عملك ، من كسب مالك ، كل الأعمال الخارجية انعكاس للداخل ، لذلك أعمال القلوب هي الأصل ، تنعكس أعمال جوارح .
المذيع :
لكن شيخنا ؛ أنت أشرت في الحلقة أنه ممكن أحياناً أن البعض يكون عنده أعمال جوارح ، وأعمال قلب .
الدكتور محمد راتب :
هنا دخل بالنفاق ، بلد إسلامي مئة بالمئة ، مصلحته تقتضي أن يصلي ، يساق إلى الصلاة ، مصلحته بالصلاة ، فإذا اتفقت مصلحته مع شعيرة إسلامية لا قيمة لأداء هذه الشعيرة عند الله صار منافقاً ، والنفاق يأتي بين الإيمان والكفر ، بل هو من الكفر ، الكافر معروف ، الله ذكر المؤمنين بسطرين بالبقرة ، والكفار بسطرين ، وبـثلاث عشرة آية بالمنافقين ، المنافق ذكي جداً ، أخذ ميزات المؤمنين ، وأخذ ميزات العصاة والمجرمين ، أمام الناس مؤمن يصلي .
لذلك قيل : " من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ".
عمله لم يعد له قيمة .
المذيع :
شيخنا في آخر الآيات في سورة الأنفال بعد هذه الآيات :
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
أي الجزاء أتى على ثلاثة أشياء ، على :﴿ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
لو تفصل لنا معاني هذه الخمس ؟ ما هي الجوائز أو المكتسبات لصفات المؤمنين؟بطولة الإنسان أن يكون متفوقاً عند الله عز وجل :
الدكتور محمد راتب :
أولاً : إنسان له درجة بقدر إيمانه ، نحن بالوزارات دائماً يوجد عندنا ثلاثون درجة ، عندنا عاشرة ثالثة ، عاشرة ثانية ، عاشرة أولى ، هكذا للأولى أولى ، لكن الله عنده مليون درجة، الدليل :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
إذا عنده ثمانية مليارات إنسان ، عنده ثمانية مليارات درجة ، إله عظيم لأنه يعطي كل ذي حق حقه ، فدرجات الله عز وجل بحسب علمه وقدرته المطلقة ، فكل إنسان له درجة عند الله .﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
عند الله ، فلذلك النقطة الدقيقة جداً البطولة أن تكون عند الله متفوقاً ، إذا كنت عند الله متفوقاً فأنت أسعد السعداء .خاتمة وتوديع :
المذيع :
أشكركم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء ، وعلى هذه الكلمات الطيبة في برنامج ربيع القلوب الموسم الثاني .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته